تُعد معركة بلاط الشهداء، التي وقعت في رمضان عام 114 هـ 732 م، من أبرز المعارك في التاريخ الإسلامي. تمتاز هذه المعركة بأنها شكلت حاجزًا منيعًا أمام تقدم الفتوحات الإسلامية إلى وسط أوروبا. يرى كثير من المؤرخين أن الرواة الأوائل كانوا يتجنبون ذكرها لشدة الألم والتشاؤم، ما أدى إلى نسيانها عبر العصور.
خلفية المعركة
وقعت أحداث معركة بلاط الشهداء بعد أن قرر المسلمون مواصلة الفتوحات نحو إسبانيا وفرنسا. قاد عبد الرحمن الغافقي الجيش الإسلامي، الذي وصل إلى مدينة بواتييه في فرنسا. كان الجيش محملًا بالغنائم من المدن التي فتحها في طريقه، ما أثار الجدل حول كيفية تقسيمها بين العرب والأمازيغ. العرب اعتبروا أنفسهم أحق بالغنائم بسبب أفضليتهم، بينما الأمازيغ رأوا أنهم هم الذين فتحوا البلاد، وبالتالي الغنائم من نصيبهم.
احداث المعركة
كان الجيش الإسلامي، المكون من خمسين ألف مقاتل، يواجه جيش الفرنجة بقيادة شارل مارتل، الذي بلغ عدده أربعمائة ألف مقاتل. استمرت المعركة لمدة تسعة أيام دون حسم. في اليوم العاشر، كاد المسلمون أن ينتصروا إلا أن فرقة من فرسان الفرنجة اخترقت معسكر الغنائم في الخلف، مما جعل فرقة من الفرسان المسلمين تترك القتال للدفاع عن الغنائم. هذا التحول المفاجئ أدى إلى اضطراب الجيش الإسلامي. حاول عبد الرحمن الغافقي تجميع قواته من جديد، لكنه استشهد بسهم، مما زاد الوضع سوءًا.
النتائج و الروايات المتباينة
ذكرت الروايات الأوروبية أن عدد الشهداء من المسلمين بلغ 375,000، وهو ما يعترض عليه المؤرخون المسلمون لأن الجيش الإسلامي لم يتعدَّ خمسين ألف مقاتل. انسحب المسلمون في اليوم العاشر، وفي اليوم الحادي عشر، تقدم الفرنجة بحذر إلى معسكر المسلمين ليجدوه خاليًا من الجنود وقد تركوا الغنائم.
الرؤية النقدية
في كتابه التاريخ الأندلسي ، يرفض الدكتور عبد الرحمن الحجي صحة قصة الخلاف بين العرب والأمازيغ وكذلك قصة الخلاف على الغنائم للأسباب التالية :
- لا توجد أدلة تثبت وجود نزاع بين العرب والأمازيغ قبل أو بعد المعركة.
- من الطبيعي أن الجيش الإسلامي لم يكن ليجلب غنائم ضخمة إلى ساحة القتال بل كان سيودعها في المدن المفتوحة.
- انسحاب الجيش الإسلامي لم يكن في نفس يوم الهزيمة بل في اليوم الحادي عشر، وهو أمر طبيعي بعد استشهاد القائد عبد الرحمن الغافقي وعدد كبير من الجنود.
في الاخير فمعركة بلاط الشهداء كانت نقطة تحول حاسمة في تاريخ الفتوحات الإسلامية. رغم الخلافات حول تفاصيلها، يبقى تأثيرها الكبير في وقف تمدد الإسلام إلى وسط أوروبا واضحًا. تبقى هذه المعركة شاهدًا على قوة الإرادة والصمود، وأهمية الوحدة والتنسيق في تحقيق النصر.