بعد أن مات محمد بن الأحمر الأول، تولى ابنه محمد بن الأحمر الثاني، المسمى بـ محمد بن الأحمر الفقيه؛ حُكم البلاد وإدارة أحوالها. وبمجرد توليه للبلاد وجد ابن الأحمر الفقيه أن قوة المسلمين قد ضعفت في الأندلس، وأن عدو المسلمين ألفونسو العاشر سارع إلى الاستعداد للقيام بالهجوم على غرناطة، عندها لم يتهاون ابن الأحمر الفقيه بطلب العون والنصرة من يعقوب المنصور المريني، الذي استجاب مسرعًا لنجدة المسلمين كما اعتاد اسلافهم المرابطين و الموحدين على نجدة الاندلس .
قطع البحر الابيض المتوسط
قام يعقوب المنصور المريني بالاستجابة إلى طلب ابن الأحمر الفقيه؛ فقام بتحضير جيش قوامه خمسة آلاف مقاتل، وخرج بهم إلى الأندلس ليتحد جيش يعقوب المنصور مع جيش ابن الأحمر الفقيه المكون من خمسة آلاف مقاتل، فيصبح بذلك قوام جيش المسلمين عشرة آلاف مقاتل.
بعدما وصل يعقوب المنصور إلى مدينة إستجة ونزل عليها، جاءه خبر إقبال الدون نونيو دي لارا قائد جيش النصارى وزعيم حربهم، بجيش قوامه تسعون آلف مقاتل؛ منهم ثلاثون ألف فارس وستون ألف راجل.
فلما سمع يعقوب المنصور بالخبر أمر بأشياخ قبائل مرين، وأمراء وقواد الأندلس من الفقهاء والصالحين وأشياخ المطوفين للاجتماع، فقام فيهم يعقوب المنصور يشاورهم كيف العمل، عاملا بقزا الله تعالى وأمرهم شورى بينهم، فاستشار أولًا أشياخ بني مرين ثم أشياخ المطوعة ثم قواد الأندلس، فقال كل منهم ما لديه من القول والنصح، وبعد أن سمع يعقوب المنصور أقوالهم، جمع شتات أمره فأمر الجيش بالاستعداد للقاء العدو وحثهم على الصبر والثبات.
وبعد وصول خبر القائد يعقوب المنصور إلى كافة أنحاء الجيش، أخذ الجيش بالاستعداد للقتال، وبينما هم كذلك، إذ بدأت طلائع جيوش النصارى بالإقبال نحوهم. فلما رأى يعقوب المنصور ذلك، ترجل عن جواده وأسبغ وضوءه وصلى ركعتين، ثم رفع يديه إلى السماء، ودعا بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، فقال:
اللهم انصر هذه العصابة وأيدها، وأعنها على جهاد عدوك وعدوها. فلما فرغ من الدعاء، استوى على جواده، ونادى على المسلمين، فقال: “يا معشر المسلمين، وعصابة المجاهدين، أنتم أنصار الدين، الذابون عن حماه، والمقاتلون عداه. وهذا يوم عظيم، ومشهد جسيم، له ما بعده، ألا وإن الجنة قد فتحت لكم أبوابها، وزينت حورها وأترابها، فبادروا إليها، وجِدّوا في طلابها، وابذلوا النفوس في أثمانها. ألا وإن الجنة تحت ظلال السيوف. إن الله قد اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، فاغتنموا هذه التجارة الرابحة، وسارعوا إلى الجنة بالأعمال الصالحة، وشمّروا عن ساعد الجِدّ في جهاد أعداء الله الكفرة، وقتال المشركين الفجرة، فمن مات منكم مات شهيدًا، ومن عاش منكم رجع إلى أهله سالمًا غانمًا مأجورًا حميدًا. فاصبروا وصابروا واتقوا الله لعلكم تفلحون”
لقاء الجيشين
فأخذ أبطال المسلمين بالتسابق إلى جيش النصارى معتمدين على الحي الذي لايموت، فالتقى الجمعان واشتد النزاع والقتال وعظمت الأهوال، لكن المسلمين لم يتوانوا عن الجهاد والقتال.
وكان قد قسم قائد النصارى دون نونيو جيشه إلى خمسة أجزاء، ليُظهر بذلك جموعًا كثيرة. لكن جموعه لم تغنِ عنه شيئًا أمام شجاعة المسلمين وطلبهم للجنة، فكانت الجموع خاسرة بفضل الله، وقُتل زعيم النصارى دون نونيو وولده وهُزم جيش النصارى، وكان نصرًا للمسلمين.
وبعدما انتهت المعركة، وظفر المسلمون بالنصر على عدوهم واستعادة قوتهم في الأندلس؛ قُسم الجيش إلى نصفين، نصف اتجه بقيادة ابن الأحمر الفقيه إلى جيان ففتحها، ونصف اتجه بقيادة يعقوب المنصور المريني إلى أشبيلية؛ فحاصرها وحررها وصالح أهلها على الجزية. فكانت هذه المعركة بذلك بداية فتوح عظيمة ونصرة رفيعة.
بعدما انتهت المعركة والفتوح، أخذ يعقوب المنصور المريني جيشه وخرج من الأندلس دون أن يأخذ شيئًا من غنائم المعارك، تاركًا إياها لأهل الأندلس.
المصادر : عبد الواحد المراكشي المعجم في تلخيص اخبار المغرب
الدخيرة السنية في تاريخ الدولة المرينية لابي زرع الفاسي
بيان المغرب في اختصار اخبار المغرب و الاندلس لابن عذاري جزء 3 ص 113