يحكي عبد الواحد المراكشي في كتابه "المعجب في تلخيص اخبار المغرب " عن محمد بن عبد الله الحسين بن الحبوس الفاسي وهو شاعر من اهل فاس ويروي الحكاية لعبد الواحد المراكشي ابن الشاعر الفاسي :
دخلت مدينة شلب من بلاد الأندلس، ولي يوم دخلتها ثلاثة أيام لم أطعم فيها شيئا، فسألت عمن يقصد إليه فيها، فدلني بعض أهلها على رجل يعرف بـ ابن الملح اللخمي الوزير، فعمدت إلى بعض الوراقين فسألته سحاءة ودواة، فأعطانيهما؛ فكتبت أبياتا أمتدحه بها، وقصدت داره، فإذا هو في الدهليز، فسلمت عليه، فرحب بي ورد علي أحسن رد، وتلقاني أحسن لقاء، وقال: أحسبك غريبا! قلت: نعم؛ فقال لي: من أي طبقات الناس أنت؟ فأخبرته أني من أهل الأدب، من الشعراء؛ ثم أنشدته الأبيات التي قلت؛ فوقعت منه أحسن موقع؛ فأدخلني إلى منزله، وقدم إلي الطعام، وجعل يحدثني؛ فما رأيت أحسن محاضرة منه. فلما آن الانصراف، خرج ثم عاد ومعه عبدان يحملان صندوقا حتى وضعه بين يدي؛ ففتحه فأخرج منه سبعمائة دينار مرابطية، فدفعها إلي وقال: هذه لك! ثم دفع إلي صرة فيها أربعون مثقالا، وقال: هذه من عندي! فتعجبت من كلامه وأشكل علي جدا، وسألته: من أين كانت هذه لي؟ فقال لي: سأحدثك: إني أوقفت أرضا من جملة مالي للشعراء، غلتها في كل سنة مائة دينار؛ ومنذ سبع سنين لم يأتني أحد لتوالي الفتن التي دهمت البلاد؛ فاجتمع هذا المال حتى سيق إليك, وأما هذه فمن حر مالي! يعني: الأربعين مثقالا؛ فدخلت عليه جائعا فقيرا، وخرجت عنه شبعان غنيا .